بركة أمي ،،

في محاولة للتعبير عن الشكر بطريقة ما كانت مشاركتي في بركة أمي ولو في يومها الأخير وقبل أن تدق ساعاتها جرس الإنتهاء كتبتها وفي خضم إنشغالات الدنيا سرقت بعض الوقت لأجلها وأخترت الكلمات والأحداث بعناية دون تفصيل كي لأ أجحف بحق أعز ما أملك في هذه الحياة حتى وإن كان بسبب مسابقة ولأنها تستحق بأن تخلد كلمات سيرة روح طاهرة تم وأدها من متع الحياة ولكن الله معنا،، عشت لحظات ثائرة ناقمة على كل شيء عندما خططت كلماتي وسط دموع تكاد تخفي من التفاصيل إلا ما يستحق الذكر أكتشفت بعد إعلان النتيجة بأن التطرق للتفاصيل مثير للمشاعر وكان سبب مهم جداً في إختيار الفائزين ولكني عجزت عن الخوض فيها ترفعاً عن ما لا يليق أو يسيء لأي طرف ،،

_______________________

رجولة أنثى

وُلِدتُ بلا أخوة في عائلة يغلب فيها عدد الإناث على الذكور ، أرى العالم كله بعيني أمي من حين إستيقاظي صباح كل يوم حتى معانقتي لحضنها الدافيء،،

كنت أراها تزرع فينا بذور الصلاح بكل ما تملك من بساطة وقوة بثبات وكأنها ترسم لوحتها بطريقة فنية دقيقة لا تحيد عنها ليتجلى إبداعها في كل تفاصيلها الصغيرة،،

لم أكن أدرك من سر قوتها سوى ما كانت تردده علينا من كلمات نُقشت على الحجر ( صلاتكم أهم من كل شيء - أهتموا بدراستكم وشهادتكم - لا تعطوا سركم لأحد - الي بيننا ما يخرج برا - مالكم غير بعض - لا تتطلبوا من أحد - أنا ربيتكم أحسن تربية وإنتو أحسن بنات .... ) والكثير من الكلمات التي يتردد صداها بداخلي وأتنفسها التي أدركت معانيها كلما كبرت وأقول : صدقت أمي ،،

كنا نطفو على بحر الحياة وتلعب بنا أمواجه هنا وهناك وكل ما نراه بطولات أمي بدء من خلافاتها مع أبي إلى أعين الناس الحاسدة مِلؤها الغيرة وهي تكاد تفترس جواهرها الثمينة التي لا تملك سواها متجسدة في خمس بنات درسن في مدارس تحفيظ القرآن وبعضهن أتممن الدراسة الجامعية وألتحقن بوظائف بحمدلله وحصلن على حصيله علمية وعملية تفتخر بها أمام الجميع ومُشرفة مُثبته لمن لاكت ألسنتهم عذاباتها دون حراك ضعفاً وجبناً وأنانية بأن لديها سلاح أعطاها الله إياه وقوة بجعل كل بنت من بناتها بألف رجل ،،

أمي نحن وإن كنا في دولة الرجال فقد مررنا وقمنا بما عجز الرجال عن فعله كنا نُسخ مصغرة تحاول مجاراتك في قوتك وبحمدلله تجاوزنا أغلب المشاكل والعقبات فلا أعظم مما خلفناه في طيات الذاكرة من مشاكل بتنوعها حتى من أقرب الناس إليك لم تسلمي غاليتي وأنت اليتيمة تحملتِ طيلة السنوات مشاكل زواج الأقارب المبكر والعذاب النفسي والمرض الجسدي ، قطعت دراستك وتوظفتِ لتلبي إحتياجات عائلتنا وصبرت وتحملت ، تغيرت البيئة عليك عندما أنتقلت لمدينة أخرى وواجهتك عقبات ومسؤليات أكبر من الأهل لتشمل الجيران والتجميد في السلم الوظيفي لعدة سنوات ظلماً ومع ذلك حسدوك ولاموك وأرادوا سلبك جواهرك وتزيفها بكل الأشكال وعندما سلمك الله من النواميس الإجتماعية سقطت في خداع و فساد ( المجهول ) في أوحال العقارات التي كشفتها سيول جدة لمرتين وقضيت أشد الأيام دون من يربت على كتفك ويحنو عليك سوى حضن جواهرك ،،

كان آخر صراعاتنا مع غريزة البقاء بتر قدم أبي بعد معاناة من التدخين و عمليات القلب المفتوح والجلطات المتكررة وأنت لا تجدين سوانا نتشارك حُلْو اللحظات ومُرها كل هذا وغيره من الشدائد التي لا تزيدنا إلا تماسكاً وحذراً من المستقبل ويقيناً بأن المؤمن مبتلى في أعز ما يملك وأقرب ما يحب ، فالله الذي خلقنا لن يتركنا أو ينسانا وبيده مفاتيح الرزق فأنت حققت المعجزة السماوية التي وهبك الله إياها ونجاك ونصرك على من ظلمك وآراك فيهم جزائهم ونتيجة حقدهم وكيدهم فمن سرق منا ضحكاتنا وسعادتنا ونجاحنا فليشغله الله بنفسه وليعوضنا الله خيراً وحان دورنا لنقدم النزر اليسير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع تجاه عطائك اللامتناهي نساندك نعاونك وندير أمورنا بيننا وإن ضاقت بنا الدروب سأبيع أعضائي لكي تحيين أنت وأخواتي عيشة كريمة فأنت تستحقين أكثر من كلمات يشع بريق روعتها بتاريخك المجيد ،،

 رنا مرزا - جدة